ندوة الأبعاد الحضارية للغة التعليم
اللغة والحضارة، ولغة الحضارة، ولغة التعليم، وتعليم اللغة: مفاهيم تشكل فضاء ساخنا للسجال، وساحة رحبة للتدافع من داخل الأمة بين من يستجيب لضغط الواقع المشهود، ومن يستجيب لجذب الموقع الشاهد. ومن خارج الأمة بين من يسعى إلى الهيمنة المطلقة تحت مسمى العولمة، ويرى في حفاظ الأمة على هويتها عرقلة لمساعيه، ومن لا يزال مرابطا على ثغر من ثغور الأمة ولم يُخل موقع الرماية فيه.
والجميع يؤكد أن بين اللغة والحضارة صلة لا تنكر، وعروة لا تنفصم، لكن زاوية النظر إلى هذه الصلة هي مناط الاختلاف: بين من يرى اللغة نسقا رمزيا وضع أصلا لحمل نسخة للعالم الثقافي بطابعه الحضاري الذي كونه مجتمع لغوي ما، ولتتناقل هذه النسخة بين الأجيال المتعاقبة تاريخيا والفئات المتزامنة اجتماعيا والمتباينة ثقافيا وحضاريا، ومن يرى أن اللغة نسق مجرد يجب أن تكون محايدة فلا تقود المجتمع لا إلى الازدهار ولا إلى الانحطاط، لها طبيعة الوسيلة المطاوعة التي تتميز بصفة الانصياع والانقياد، ولذلك هي تيسر تقدم أصحابها بقدر ما تسهل تخلفهم، شأنها شأن الوسيلة التي يتوسل بها لتحصيل منافع فردية وأخرى مجتمعية.
وتمثل الساحة التربوية بالمغرب اليوم، حلبة لصراع حامي الوطيس بين هذه الآراء جميعها.
وفي هذا الجو المشحون ينتصب سؤال الاختيار الحضاري للغة التدريس قويا ملحاحا:
أي لغة نختار للتعليم؟ وأي مخرجات حضارية نريد له؟
وفي سياق الإجابة، وبين هذا النظر وذاك، تقتحم حلبة هذا التدافع كل التيارات الثقافية، وصراعات المصالح السياسية، والحسابات الحزبية، والتوجهات الفكرية، والولاءات المذهبية الداخلية والخارجية…لتدلي بدلوها وتدافع عن رؤيتها، ولكل حججه وأدلته التي يتمسك بها.
ويبقى رأي أهل الذكر في هذا الشأن وأهل الاختصاص في هذا الأمر من علماء ولسانيين وأكاديميين وتربويين ومختصين آخر ما يلتفت إليه وآخر من يستفتى في هذه النازلة.
لأجل هذا، وإسهاما من مختبر الأدب والبناء الحضاري في هذا الحوار، ووفاء منه لهدفه الأساس: البناء الحضاري، تأتي هذه الندوة الدولية من أجل نقل النقاش والحوار إلى حلبة العلماء الخبراء والمختصين والأكاديميين من أساتذة ولسانيين وتربويين.
إنّنا نروم اليوم في مختبر”الأدب والبناء الحضاري – من خلال هذه النّدوة تدقيق النظر في المكاسب الحضارية التي تجنيها الأمة من خلال أحد خياريها :
1- اعتماد لغة الهوية لغة للتعليم سيرا على ما ينص عليه دستور البلاد وما سار عليه الأمر منذ الاستقلال.
2- أو قبول اعتماد لغة أخرى – لغة المحتل- في تدريس بعض المواد حتى ولو كانت هذه اللغة ( الفرنسية) في ذيل ترتيب اللغات، أو حتى اختيار لغة متقدمة كالإنجليزية، طلبا لما يتوقعه البعض من المكاسب، ولتجاوز ما يظنه هؤلاء من معيقات لتقدم التعليم وازدهار البحث العلمي.